الخميس، 21 مارس 2013

آثار المغسيل .. من يحميها ؟

كتبهامسلم ، في 27 مايو 2012 الساعة: 05:44 ص

آثار المغسيل بولاية صلالة .. من يحميها
 
تكتظ منطقة المغسيل في موسم الخريف بأفواج السياح الراغبين في مشاهدة نوافير كهف المرنيف الطبيعية، والقليل من الناس قادهم الفضول إلى أعلى الكهف ومشاهدة المنظر الطبيعي المهيب حيث تقبع آثار حصن قديم عثر فيه بعض الشباب ومنهم سالم بن سهيل الكثيري الذي قادني إلى هذا المكان على قطع من اللبان المتحجر وأجزاء صغيرة من أوانٍ فخارية. هؤلاء الشباب يزورون المكان بين فترة وأخرى منذ سنوات عديدة، ولكن قبل حوالي العام في أخر زيارة لهم وجدوا المكان محفورا في ثلاثة مواضع، أهمها في أعلى قمة الكهف حيث برزت جدران برج أثري قديم بعد أن قام مجهولون بإزالة التراب عن بعض أجزائه.
تتناثر بقايا جدران هذا الحصن العتيق على مساحة أقدرها بألف متر مربع على الأقل، وتم إزالة التراب عن ثلاثة مواضع فيه كما ذكرت، وتبدو الآن على شكل مثلث قاعدته في الجهة الشمالية ورأسه في الجهة الجنوبية المرتفعة وهو البرج الذي توضحت معالمه بشكل اكبر بعد تلك العملية.
حسب رواية سالم، عملية الحفر وإزالة التراب حديثة، وقد شاهد بنفسه في مرة من المرات عدد كبير جدا من غرش الماء في المكان ولاحظ أوراق مثبتة بمسامير على الجدران التي تم الكشف عنها ولم يبق منها الأن سوى واحدة وقد صورتها، وأثناء إحدى زيارته المعتادة قادته الرائحة إلى العثور على كمية من اللبان المتحجر عند المكان المحفور في أعلى الكهف، فأخذ بعضا منها وقد شاهدتها وهي قطعة صلبة كالحجر سوداء اللون ورائحة اللبان لا تزال تفوح منها بقوة وكأنه مستخرج للتو وعندما حرقت بعض منها للتجربة كانت النتيجة أن اللبان لم يتغير سوى لونه ومستوى كثافته، وقد تم إبلاغ الجهات المعنية عن امر هذا اللبان فأفادوا بأنه تم العثور على كميات منه في مواقع أخرى بظفار !
 قطعة من اللبان المتحجر
من المؤكد أن الذي أزال التراب عن بعض أجزاء هذا البرج أو المخزن عثر على كميات أكبر من اللبان المخزن فيه بسبب وجود قطع صغيرة عثرنا عليها متناثرة وسط التراب المستخرج من الموقع والقطع التي عثر عليها سالم هي أصلا من مخلفات مكتشفي الموقع المجهولين، أما بقايا الأواني الفخارية فتوجد كذلك في اسفل الكهف، وسهل جدا العثور على قطع منها في الطبقات الطينية على حواف الطريق المسفلت إلى مدخل الكهف حيث تتناثر بقايا أصداف بحرية كذلك، فالكهف يقع أسفل الحصن وربما كان جزء من الموقع كما قد تتساقط إليه المخلفات التي يرميها سكان البرج الأعلى.
قادني سالم إلى موقع أخر يقع في الجهة الشرقية للمغسيل، وقد أهمل تماما وتمت إقامة عليه استراحات حديثة وزرع بعض اشجار نخيل النارجيل، ولكن لا تزال بعض الأحجار والجدران المنهارة تشير إلى أن المكان كان به منشآت قديمة من نوع ما.
هذا ليس كل شيء عن المغسيل فمعالم برج آخر ليس بعيدا عن محطة البترول المقامة هناك على مقربة من الخور. كما توجد مقبرة كبيرة على الشاطئ القريب من المطعم الحديث على مدخل كهف المرنيف.
الخور تسكن إليه كميات من الطيور والحشرات والزواحف، وقد قطعه الطريق المسفلت الذي يربط ولاية رخيوت بولاية صلالة، ولو تم عمل جسر هناك أو نفق يسمح بمرور مياه البحر لكان ذلك أفضل مما هو عليه الآن في اعتقادي.
النقوش تحت أقدام مايكل !
من وجهة نظري المتواضعة وبالاعتماد على المشاهدات أعتقد أن آثار منطقة المغسيل لا تقل ربما أهمية عن تلك التي في سمهرم، ولكن هذا الاعتقاد لن يؤكده أو ينفيه سوى المتخصصين والدارسين والباحثين في هذه الآثار، وقد أشار الهمداني منذ أكثر من ألف عام في كتابه صفة جزيرة العرب إلى وجود حصن في ريسوت تعرض لهجمات وطرد سكانه من آل الجديدي الأزديين، والمغسيل ليست بعيدة عن ريسوت الحالية التي بها ميناء صلالة. إن آثار ظفار تقبع في مواقع كثيرة والبحث عنها واكتشافها ليس بالأمر اليسير، لذلك من المهم في اعتقادي إقامة متحف وطني في ظفار يتولى هذه المهمة إلى جانب استيعاب المكتشفات الأثرية وحفظها والإشراف على المواقع الأثرية المتواجدة في أماكن عديدة في هذه المحافظة. إن كل موقع أثري وكل قطعة منها بجانب أهميتها العلمية التي لا تقدر بثمن هي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد السياحي والثقافة العُمانية عامة، وفي تقديري أن البحث عن المواقع الأثرية في هذه المنطقة الغنية بالآثار يوازي في أهميته البحث عن النفط، فأرجو أن لا تترك هذه الآثار لمصيرها في بلد اصبح يشجع السياحة ويعتبرها مصدرا من مصادر الدخل الاقتصادي والمكانة الحضارية.
كما أرى من الواجب العلمي والوطني أن تقوم جامعة ظفار وبدعم من الدولة بتأسيس قسم لدارسة الآثار المادية وغير المادية لظفار وجنوب الجزيرة العربية، فأولى بأبناء هذه المنطقة التي ليس من ثقافتهم التقليدية العناية بالآثار والبحث عنها ودارستها باعتبارها مصدرا اساسيا من مصادر المعرفة أن يتعلموا البحث بأنفسهم عن كنوزهم الأثرية ويتحملوا هذه المسؤولية العلمية والتاريخية، والآثار الموجودة في هذه المنطقة ليست فقط معالم مادية بل كذلك معالم غير مادية كاللغات العربية القديمة واللهجات المحكية. إن بعض الناس البسطاء هنا يعتقدون ان الدولة تتعمد اهمال آثار ظفار ويسوقون حججا في هذا الشأن، وهذا ربما سببه أن هذه الآثار المهملة وغيرها تقع تحت المسؤولية الاخلاقية للدولة التي قد لا يتوفر لديها المال الكافي لاستقبال واستضافة الخبراء الأثريين الأجانب باستمرار، ولكن في المقابل المناهج التعليمية التي تدرس من الصف الأول حتى الثاني عشر لا تحكي شيئا مهما من وجهة نظري عن تاريخ ظفار، وقد لاحظت حضور ظفار في أذهان بعض أهلنا في شمال عُمان مقترن بظفار الخريف فحسب! بل أن أولادنا لا يعرفون شيئا عن تاريخ أجدادهم في هذه المنطقة سوى ما يُحكى شفهيا أو ما يتمكنون من الاطلاع عليه من مصادر أخرى الأمر الذي يشجع الاعتقاد السالف الذكر لدى الناس صغيرها قبل الكبير. والحقيقة أن روح المبادرة الاجتماعية يبدو لي شبة مفقودة في ظفار، والناس منهمكة في كسب قوتها اليومي ولا ترى أهمية لأي نشاط اجتماعي في مجالات الثقافة والبيئية أو أي نشاط آخر ما لم يكون به أوامر من الحكومة، ومثال على ذلك عدم وجود حسب علمي أي جمعية أهلية في ظفار باستثناء تلك التي اسستها الدولة وترعاها كجمعية المرأة أو جمعية الفنون التشكيلية.
المهم ! كيف يا ترى ستكون حال السياحة في المغسيل لو تم الكشف عن آثاره وصيانتها والمحافظة عليها وحمايتها وتهيئتها للأغراض التعليمية والمتحفية واستقبال الزوار القاصدين للمنطقة من كل مكان لمشاهدة النوافير الطبيعية وقضاء وقت مفيد مع مرشدين سياحيين متدربين بين هذه الآثار التي نشاهد على مقربة منها للأسف آثار فحص ويلات ومحاولات الصعود بالسيارات على سفح الجبل من قبل السياح القادمين إلى ظفار في فصل الخريف!!
إن كميات اللبان المتحجر التي عُثر عليها في موقع المغسيل أو في غيره تجعلنا نتسأل لماذا لم يتمكن أصحابه من تصديره؟ وهل كان ذلك لأسباب مفاجأة طبيعية أم بشرية ؟، وهل فحص قطع من هذا اللبان والتنقيب في هذه المواقع سيكشف عن تلك الأسباب وتاريخ حدوثها ؟. ولكن الأسئلة الانطباعية الأساسية التي تبادرت إلى ذهني مباشرة عند زيارة هذا الحصن الكائن فوق كهف المرنيف بالمغسيل رقم وقتي الضيق وأنا أزور ظفار في مهمة عمل لعدّة أيام،هي : من الجهة التي قامت بالتنقيب فيه ؟ ومتى؟ وإذا كانت جهة حكومية لماذا لم تسور الموقع لحمايته من باب الاحتياط على الأقل عن التلف أو السرقة لحين استكمال اكتشافه وفحص آثاره؟.
حكى لي شخص أنه كان مرافقا لبعثة أجنبية إلى موقع اثري يقبع في مكان ما ببادية ظفار لا يمكن تخيل أن حياة آدمية يمكن أن تكون قد قامت فيه كما يقول. وبينما كان أعضاء البعثة منهمكين بمعاينة المكان وأخذ القياسات وانجاز أعمال متنوعة، لاحظ كتابة عربية جنوبية قديمة على بعض الأحجار التي كان واحدا منها يقف عليها عضوا من اعضاء البعثة، فسأل رئيسة البعثة هل يمكن لها أن تتخيل وجود كتابة قديمة هنا ؟ فجاوبته أن مثل هذا الشيء قد يكون من الصعب وجوده في هذا الموقع، فسارع إلى لفت نظرها بأن الكتابة يمكن العثور عليها على حجر تحت أقدام ذلك الرجل، ولما شاهدته ضحكت وقالت فعلا يمكن العثور على كتابة قديمة هنا تحت أقدام مايكل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق